[ حسن الخلق . طوبى لمن ألبسه الله ثوب حسن الخلق، فإنه ما من رجلٌ أُثر عنه ذلك، إلا طاب ذكره عند الناس، ورُفع قدره بينهم. وحسن الخلق هو بسط الوجه، واحتمال الأذى، وكظم الغيظ، وغير ذلك من المعاني والخصال الحميدة . قال ابن منصور: سألت أبا عبد الله : عن حسن الخلق: قال: أن لا تغضب ولا تحتد ... وقال إسحاق بن راهويه: هو بسط الوجه وأن لا تغضب ونحو ذلك، ذكره الخلال ... وروى الخلال عن سلام بن مطيع في تفسير حسن الخلق، فأنشد هذا البيت :
كأنك معطيه الذي أنت سائله (1) .
تراه إذا ما جئته متهللاً
وخير الناس أحسنهم خلقاً بقول خير البرية-صلى الله عليه وآله وسلم-وهو أحسن الناس خُلقاً- : ( خياركم أحسنكم أخلاقا ) (2) . وكان من دعائه في الاستفتاح -صلى الله عليه وآله وسلم- ( واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) (3) . ومن كان كذلك أحبه الناس، ورغبوا في مجلسه ومجالسته، واستأنسوا بحديثه، وبضده صاحب الخلق السيء؛ فحديثه ممل، ومجلسه ينفر عنه الناس، وهو مبغوضٌ ثقيل على القلب . أُثر عن الفضيل بن عياض أنه قال: من ساء خلقه ساء دينه، وحسبه ومودته (4) .
ومعاشرة الإخوان لها نصيب من ذلك كبيرٌ ، فبحسن الخلق تدوم العشرة، وتأتلف القلوب، وتُسل السخائم من الصدور . فحريٌ بالإخوان أن يبسطوا وجوههم لإخوانهم، وأن ينتقوا أطايب الكلام لهم، وأن يغضوا عن هناتهم وزلاتهم ويلتمسوا لهم المعاذير
سلامة الصدر . كان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم ( واسلل سخيمة (1) قلبي ) وعند الترمذي : (واسلل سخيمة صدري ) (2) . وهذه منقبة وخلة عظيمة الشأن قليل هم الذين يتحلون بها؛ لأنه عسيرٌ على النفس أن تتجرد من حظوظها، وتتنازل عن حقوقها لغيرها، هذا مع ما يقع من كثير من الناس من التعدي والظلم، فإذا قابل المرء ظلم الناس وجهلهم وتعديهم بسلامة صدر، ولم يقابل إساءتهم بإساءة، ولم يحقد عليهم، نال مرتبة عالية من الأخلاق الرفيعة والسجايا النبيلة . وهو عزيز ونادر في الناس، ولكنه يسير على من يسره الله عليه . روى أبو هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المؤمن غرٌ كريم، والفاجر خبٌ لئيم ) (3) . قوله: ( والمؤمن غرٌكريم ) قال المباركفوري: وفي النهاية: أي ليس بذي مكر، فهو ينخدع لانقياده ولينه، وهو ضد الخب، يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلاً، ولكنه كرم وحسن خلق، كذا في المرقاة. وقال المناوي: أي يغره كل أحد ويغيره كل شيء ولا يعرف الشر وليس بذي مكر، فهو ينخدع لسلامة صدره وحسن ظنه . وقوله: ( والفاجر خب لئيم ) أي بخيل لجوج سيء الخلق (4) .[/