اختيار الرفيق والجليس . تقدم حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-المرفوع: ( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) والمعنى: أن الإنسان على على عادة صاحبه وطريقته وسيرته، فليتأمل ويتدبر (من يخالل) فمن رضي دينه وخلقه خالله ومن لا تجنبه، فإن الطبع سراقه، قاله في عون المعبود (1) . وروى أبو سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ) (2) . والنهي في المصاحبة يشمل النهي عن مصاحبة أهل الكبائر والفجور، لأنهم ارتكبوا ما حرم الله، ومصاحبتهم تضر بالدين، ويشمل النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين من باب أولى. وقوله: ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) . قال الخطابي: إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة، وذلك لأن الله سبحانه قال: { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً } ومعلوم أن اسراءهم كانوا كفاراً غير مؤمنين ولا أتقياء، وإنما حذر عليه السلام من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب (3) .
ورفيق السوء وجليس السوء مضرته متحققة لا محالة مهما كانت وسائل التحرز، بنص قوله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة ) (4) .
المحبة في الله . أعظم مقامات الأخوة أن تكون في الله ولله، لا لنيل منصب، ولا لتحصيل منفعة عاجلة أو آجلة، ولا من أجل كسب مادي، أو غير ذلك. ومن كانت محبته في الله وأخوته في الله فقد بلغ الغاية، وليحذر أن يشوبها شيءٌ من حظوظ الدنيا فيفسدها. ومن كانت محبته في الله فليبشر بموعود الله ونجاته من هول الموقف يوم القيامة، ودخوله في ظل عرش الجبار جل جلاله . فقد روى أبو هريرة-رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أُظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي ) (1) . وعن معاذ بن جبل-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ ) (2) . وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال أين تريد ؟ قا: أريد أخاً لي في هذه القرية . قال: هل لك عليه من نعمة تربها (3) ؟ قال: لا . غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه )(4)(يتبع)